من خلال هذا المقال سنحاول إيصال معلومة مهمة حول نقطة التحول التي مرت بها أمة الإسلام، وهي المرحلة التي أنبأت عن بداية العدّ التنازلي لأجل أمة الإسلام، بدأت فعلا بعد مرور 1000 سنة من بعثة نبيها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا الحدث الذي لم ينتبه إليه إلا ذوي العقول والألباب، والذي خص ملك المسلمين وسلطانهم على الأرض في الملك العاض في الفترة سلطان العجم على حكم المسلمين.
ماذا حدث على مشارف عام 1579م الموافق لــِ 987ه، أي بعد مرور ألف سنة من ميلاد أمة الإسلام وعلى بعثة نبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟؟
حدث ذلك في فترة تولي السلطان مراد بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغل، اتفق المؤرخون على أن عظمة الدولة العثمانية قد انتهت بوفاة السلطان العثماني سليمان القانوني عام (974هـ/ 1566م) وكانت مقدمات ضعف الدولة قد اتضحت في عهد السلطان سليمان ([1])، وتجلى هذا الضعف في بدء إنسحاب السلطان من جلسات الديوان، وبروز سطوة الحريم والعجز عن مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. ويكاد يجمع المؤرخون أن بداية إضمحلال الدولة العثمانية الحقيقي كان في عهد مراد الثالث (1574 -1595م) عندما أصدر أمر بمنع شرب الخمور بعد ما شاعت بين الناس وأفرط فيها الجنود وخصوصاً الإنكشارية، فثار الإنكشاريون واضطروه لرفع أمره مما دّل على ظهور علامات ضعف الدولة وعلى إنحراف الانكشارية عن خطها الإسلامي الأصيل، من حبها للجهاد وشوقها للشهادة ([2]).
بعدما بلغت في من القوة مبلغها في عهد الملوك من قبله مثل فتح القسطنطية في عهد محمد الفاتح، وكذلك في عهد سليمان القانوني حيث وصل سلطان المسلمين إلى ألمانيا وإيطاليا وبسط العثمانيون سُلطانَ الإسلام على كثير من دول العالم في قاراته الثلاث، وامتدت هَيْبَتُهم فَشَمَلَت العالَمَ كُلَّهُ، وصارت لها السيادة العالمية، وارتقت فيها النُّظُمُ والقوانين التي تسيّر الحياة بِدِقَّةٍ ونِظامٍ حسب الشريعة الإسلامية التي حَرِصَ آلُ عُثمانَ على احترامِها والالتزامِ بِهَا في جميع أرجاء دولتهم.
والمتأمل للحديث الصحيح " عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا " ([3])، أن موعود الله في الحديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد تمّ فعلا بعد 1000 سنة من بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكانت الهيمنة وبلغ ملك أمة الإسلام مبلغا لم يكن لها من قبل "وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا "، ثم كان بعده إنحصار ملك المسلمين، وبدأت تتضح معالم الإنحطاط والإنحدار بعد إنخرام شروط إستمرار التمكين في الأرض وفقا لسنن الله الواجبة الشرطية مصداقا لقوله تعالى في سورة الحج ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾([4])، وسنته جلّ وعلا مصداقا لقوله تعالى ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ ([5]).
وحدث في ملك المسلمين ما أشار إليه عمر بن
الخطاب ووافقه عليها محمد صلوات ربي وسلامي عليه كما جاء في الحديث الحسن في مصنف
ابن أبي شيبة "عَنْ هَارُونَ بْنِ أَبِي وَكِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ﴾([6]) قَالَ: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، قَالَ:
فَبَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا
يُبْكِيكَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ
دِينِنَا، فَأَمَّا إِذَا كَمُلَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ قَطُّ شَيْءٌ إِلَّا نَقَصَ،
قَالَ: صَدَقْتَ" ([7]). وقد بدأ الإنحدار في
ملك وسلطان المسلمين بعد تمام اليوم وهو 1000 سنة من بعثة النبي وهذا إسشارة واضحة
لما رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بإِسْنَاده
صَحِيح عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لَا تَعْجَزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّهَا أَنَّهَا تُؤَخَّرُ
نِصْفَ يَوْمٍ قِيلَ لِسَعْدٍ وَكَمْ نِصْفُ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ خَمْسمِائَة سَنَةٍ
" ([8]).
الواقع يثبث أن غاية ما ستصل إليه الأمة من إضمحلال ومن شتات وتقسيم لم تعرفه من قبل مصداقا لما جاء في
الحديث الصحيح في سنن أبو داوود "عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا
تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ
يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ
السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ،
وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ»، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»"
([9]) وقمة هذا التقسيم ما آلت إليه الأمة والذي
يتناسب مع واقع الأمة الآن.
الرجاء عد الإساءة في التعليقات، فالله يسمع ويرى خارج الموضوع تحويل الاكواد إخفاء الابتسامات إخفاء